مقالات

فرحة الجزائريين

إن الفرحة التي عبر عنها الجزائريون عقب فوز الفريق الوطني لكرة القدم كانت حقيقية. ولا شك أنها تعدت وبكثير مجرد الاحتفال بنتيجة مقابلة رياضية، فقد اشترك فيها الكبير والصغير والفقير والغني والمرأة والرجل ومعظم هؤلاء ليسوا من العارفين بالكرة وأسرارها ولا من متتبعي بطولاتها في باقي أيامهم. لن أعود في هذا المقال إلى ما سمعناه […]

إن الفرحة التي عبر عنها الجزائريون عقب فوز الفريق الوطني لكرة القدم كانت حقيقية. ولا شك أنها تعدت وبكثير مجرد الاحتفال بنتيجة مقابلة رياضية، فقد اشترك فيها الكبير والصغير والفقير والغني والمرأة والرجل ومعظم هؤلاء ليسوا من العارفين بالكرة وأسرارها ولا من متتبعي بطولاتها في باقي أيامهم. لن أعود في هذا المقال إلى ما سمعناه وقرأناه قبل وبعد المقابلة فيما تداوله الرياضيون والصحفيون والفنانون ورجال السلطة. ما دفعني لكتابة هذه الأسطر هو سؤال طرحه علي أحد الإخوة : ما هو موقفنا كحركة معارضة لها مآخذ جمة على النظام الحاكم في الجزائر وتسعى إلى تغييره في ظل هذه الأحداث؟

 

EquipeDZ_19nov09a

 

إن الفرحة الجزائرية كانت إلى حد كبير عفوية، غير مخطط لها، على المستوى الشعبي على الأقل، وخلاصة القول فيما يخص هذه الفرحة أننا نفرح لما يفرح له الجزائريون ونحزن لما يحزن له الجزائريون لأننا بكل بساطة جزائريين ولا يتعدى الأمر إلا أن يدخل في نفس الفرحة – المشروعة – التي يفرحها المرء عندما يرى الفرحة في وجه أخيه. وبكل بساطة فإنّ رؤية جزائري معتز وبصدق بوطنه وهويته وهو يتألق شرفات النصر الشريف سبب مشروع للفرحة والعزة. وهذا بالذات ما عشناه خلال تلك المباريات.

 

ومن هذا المنطلق فلا مبرر للنظرة الفوقية أو الاستهتارية التي قد توصل البعض إلى السخرية من الشعب و”سذاجته” كما يزعمون، فحقا لا مجال لمثل هذه التحليل في ما رأيناه. غير أنه لا بد من التنبيه إلى أنّ ما نُقل عما اعتبره البعض ردة فعل ضد مصالح مصرية في الجزائر لا يمكن لعاقل أن يبرره. وتبقى، وبكل موضوعية وبعيدا عن أي عصبية ممقوتة، ردّات الفعل في الشارع الجزائري تجاه مصر أخف مما صدمنا بمشاهدته عند بعض السذج و المأجورين من ساسة وإعلاميين و”فنانين” من “أم الدنيا”. فلقد صدمنا برؤية حرق العلم الجزائري وهذا ما لا يمكن القبول به والكل يعلم ما دفعناه كجزائريين من أجل هذا العلم. ولكن نجدد أننا كجزائريين، وفي حركة رشاد خصوصا، لا نسعى أبدا لصب الزيت على النار وندعو العقلاء في مصر للمساعدة على وضع حد لهذه الانحرافات.

 

إن الكرة والثقافة والإعلام وكل ما يهم الناس عموما أصبح مستغلا من طرف الساسة، وهذا في كل بلدان العالم. ويصل هذا الاستغلال ذروته في الدول المهلهلة التي عملت على طمس هوية شعوبها وأفرغت روحها من مفاهيم الوطنية الحقة والجد والاستقامة والتفوق.

 

أما النظام الجزائري فعمل على استغلال الحدث سياسيا وسخّر إمكانات ضخمة لدعم الفريق والأنصار. هذا أمر جيد ولكن لا بد من التساؤل لماذا لم تسخر نفس الوسائل لاحتياجات أهم للجزائريين أم أن الربح السياسي كان واضحا ومضمونا في هذه الحالة. لقد اعتدنا مثل هذا “السخاء” في أمور أخرى كبعض المهرجانات المسخّرة لمحاولة تلميع صورة النظام أو عند “الحملات الانتخابية”. إن الكلام في الموضوع طويل ولكن نؤجل ذلك إلى ما بعد الفرحة!

 

إن الشعب الجزائري يحب وطنه والشباب فخورين بوطنيتهم بما في ذلك من اضطروا إلى الهجرة وحتى من لم تتح لهم حتى فرصة التعرف على أرض أجدادهم من الذين ولدوا في أرض الهجرة ولا يزالون ممنوعون من وطء أرض بلدهم لأسباب عدة. ستمر هذه الفرحة وستطرح حتما في وقت لاحق أمور أخرى تهم الشعب الجزائري والتي لا يمكن وللأسف حلها بالسهولة التي يظنها الكثير من الذين قد تغرهم فرحة اليوم. أكرر، هذه الفرحة من حقهم وليس لأيّ كان أن يفسدها عليهم ولكن حب الجزائر وشعبها يقتضي كذلك أن نذكر بهذا الواقع. فإذا كان الفوز في مقابلة رياضية يتطلب جهدا ومصابرة وعمل دءوب فالخوض في إصلاح وضع بلادنا، إنطلاقا من تغيير جذري وسلمي لطبيعة النظام الحاكم وكذا حل مشاكل المواطنين الكبرى كالسكن والصحة والتعليم والشغل لا يمكن أن يحقق إلا بالجهد والإخلاص للوطن والإتقان في الصغيرة والكبيرة. وعندها ستكون الفرحة الكبرى للجزائريين، إن شاء الله، في كنف دولة الحق والكرامة.

 

وإلى ذلكم الحين فلنشاطر إخواننا فرحتهم ولنعمل على إيقاف انزلاقات المتهورين الذين يذكّون نار الفتنة بين الجزائري والمصري.

 

م. دهينة